Eshab-ı Kehf – أهل الكهف

أهل الكهف

.كان الناس يستعدون للذهاب إلى المعبد في يوم العيد، فوقفوا في الطريق ينتظرون موكب الملك
         وجاء الملك في عربة فخمة، تجرها خيول، عليها الزينة من الذهب والفضة، وكان معه فتيان من أبناء العظماء . ولما رآه الناس ركعوا له، وسارت عربته بين الناس الراكعين، حتى وصلت إلى المعبد . وهناك نزل هو وأبناء العظماء
         .وكان في المعبد أصنام، وهي تماثيل من الحجر صنعت على شكل إنسان، فلما وصل الملك إليها سجد لها في احترام، وسجد لها الفتية، ولكن أحدهم لم يسجد لها، وظهر عليه أنه لا يحترمها
          .ولاحظ الشبان أبناء العظماء أنه لم يسجد معهم، أما الملك فلم يلحظ ذلك، لأنه كان مشغولا بعبادة التماثيل
         وانتهى الملك من عبادته، وعاد في عربته إلى قصره ومعه الفتية، وسارت العربة بين الناس الراكعين على جانبي الطريق، حتى إذا أُقفل باب القصر، سمح للناس بالدخول إلى المعبد لعبادة الأصنام، لأنه لم يكن مسموحًا لهم بالعبادة مع الملك
         :وجاء الليل، وخرج الفتيان من القصر ليذهبوا إلى بيوتهم، ولكنهم لم يتفرقوا إلى بيوتهم، بل التفوا حول الشاب الذي لم يسجد للأصنام، وقالوا له
.نريد أن نحدثك الليلة وتحدثنا
.فقال لهم :- تعالوا إلى داري
:فذهبوا معه إلى داره، وقالوا له
لماذا لم تسجد اليوم للإله ؟
:فقال لهم
:إني فكرت في هذا الإله، فوجدت أنه تمثال من الحجر لا يسمع ولا يرى، ولا ينفع ولا يضر، فوجدت أنه من الجنون أن أسجد لحجر
فقال له أحدهم : أكفرت بآلهتنا ؟
فقال الشاب :
كفرت بهذه الحجارة الخُرس، وخرجت إلى الفضاء، ورفعت عيني إلى السماء ، وسألت نفسي من رفع هذه السماء، ومن خلق فيها شمسها وقمرها، ومن زينها بالنجوم ؟ ونظرت إلى الأرض وسألت نفسي من سطحها ؟
ومن أنبت الحبّ والعشب والبقل والأشجار فيها ؟ ومن أجرى الأنهار، وخلق الجبال ؟ ثم اهتديت إلى أنَّ الذي خلق هذه الأشياء، لابد أن يكون أكبر منها، وأنه قوة عظيمة لا نراها، فتوجهت إلى هذه القوة أعبدها
:فسكت الشبان قليلا، ثم قال أحدهم
إنني أنا أيضًا عرفت أن هذه الحجارة التي يعبدها قومنا لا قيمة لها، لأنني رأيت الناس ينحتونها بأيديهم، ثم ينصبونها في المعبد ويسجدون لها، وفكرت في نفسي، فوجدت أنني كنت جنينًا في بطن أمي، ثم أصبحت صغيرًا آكل وأشرب، وأسمع وأرى، ثم صرت شابًا وكبر عقلي، فصرت أميز النافع من الضار، وفكرت فيمن خلقني، فاهتديت إلى أن من خلقني لابد أن يكون عظيمًا قادرًا، فأخذت أعبده وأصلي له، وأتوجه إليه في دعائي
استمر الشبان يتحدثون حتى آمنوا جميعًا وقالوا : “رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ، لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا، لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا”
    :صار الفتيان يجتمعون كل ليلة في بيت أحدهم، يصلون لله ويعبدونه، وفي ذات ليلة دخل عليهم أحد أعوان الملك، فرآهم في صلاتهم، فسألهم عما يفعلون، فقالوا له
.إن قومنا يعبدون حجارة، ونحن نعبد الله الذي خلق السماء والأرض وما بينهما، فاترك دين قومك، وادخل في ديننا القويم
:فقال لهم الرجل
 .إني وجدت آبائي على هذا الدين، ولا أستطيع أن أترك ما وجدت آبائي عليه
فاستمر الفتيان يحاولون أن يدخل الرجل في دينهم، ولكنه لم يقبل، وتركهم وذهب إلى الملك . فلما دخل عليه، أخبره أن الفتيان الذين يلتفون حوله قد تركوا دينه، ودخلوا في دين جديد، فغضب الملك، وعزم على أن يذهب إليهم ليعذبهم، لتركهم دينه
 .علم الفتيان أن الرجل سيذهب إلى الملك يشكوهم .. وأن الملك سيغضب عليهم، ويقبض عليهم ليعذبهم أو يقتلهم، فتشاوروا في الأمر، فرأوا أن يهربوا من بلد الملك
 :ركب الفتية خيولهم، وساروا حتى خرجوا من المدينة، ثم تركوا خيولهم، ومشوا على أرجلهم، فمروا على صديق لهم في حقله، وكان يعرف ديانتهم، ويعبد الله مثلهم، فقال لهم
إلى أين أنتم ذاهبون ؟
 :فقالوا له
 .علم الملك أننا تركنا دينه، ولابد أنه الآن يبحث عنا ليقتلنا، فهربنا منه
 :فقال الشاب
 .إني ذاهب معكم
 .وانضم الشباب إليهم، وسار معهم، وتبعه كلبه، واستمروا في سيرهم حتى جاء الليل، فبحثوا عن مكان يبيتون فيه، فوجدوا في الجبل كهفًا، فذهبوا إليه والكلب خلفهم، فقال أحدهم
 :إننا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنباحه . فطردوه، لكنه عاد إليهم، فقال صاحبه
 .دعوه يحرسنا من عدونا
 .ودخلوا الغار وناموا، ونام الكلب على باب الغار، وبسط ذراعيه
خرج الملك في حرسه وجنوده، يبحث عن الفتيان الذين تركوا دينه، ودخلوا في دين آخر، حتى اهتدى إلى الكهف الذي لجأوا إليه، فنظر فوجد الشمس تمر على باب الكهف، فلا تدخله أشعتها، ويبقى مظلمًا كما كان، فاستغرب وأحس بخوف، فأمر رجاله بالدخول، فأحسوا بالرعب، ولم يستطع أحد منهم أن يدخل . وقال أحدهم للملك
 .إنك تريد أن تقتلهم
 :فقال الملك
 .نعم
 :فقال الرجل :
 :سد عليهم باب الكهف، واتركهم فيه يموتون عطشًا وجوعًا . فأعجب الملك بالفكرة وأمر ببناء باب الكهف . وقال في سخرية
 !إن كان لهم إله غير آلهتنا فليخرجهم من هذا الكهف
استيقظ الفتيان من نوهم، فوجد كل منهم جسمه موجوعًا من النوم، وسأل أحدهم : كم مكثنا في هذا الكهف ؟
.فقالوا له : مكثنا يومًا أو بعض يوم
.وشعروا بالجوع فقالوا : إننا جياع
 :فقال أحدهم
.أذهب فأشتري لكم طعامًا من السوق
.قد يعثر عليك الملك، ويقبض عليك
 .سأذهب دون أن يحس بي أحد
 .وقام الشاب، فلما مر بباب الكهف رأى حجارة مبنية، ولم يجد إلا فتحتة صغيرة يدخل منها النور، فنقض الحجارة وخرج، وسار في الطريق وهو يتلفت، خوفًا أن يقابله أحد رجال الملك، فيقبض عليه
ولكنه رأى الطريق يختلف عن الطريق الذي سار فيه، ومر بمواضع لم يكن يعرفها، ووصل إلى باب المدينة، فوجده يختلف عن الباب الذي يعرفه، فرك عينيه، وضرب رأسه بيده، فقد حسب أنه يحلم وتلفت حوله وهو يعجب في نفسه كيف تغيرت الدنيا في ليلة واحدة
 .ومر على الحوانيت فوجدها غير التي يعرفها، ونظر في وجوه الناس، فلم يعرف أحد، ووقف يفكر فيما جرى، فلم يهتد إلى شيء
 :وأخرج قطعة نقود فضية، وذهب إلى خباز وأعطاها إياه، وطلب منه أن يعطيه خبزًا، فأخذ الخباز قطعة النقود، وجعل يقلبها في حيرة، فقال الشاب
ماذا جرى ؟
 !هذا القطعة الفضية
ماذا بها ؟ قطعة من النقود عليها صورة الملك . فقال الخباز : صورة أي ملك ؟
 .ملك هذه البلاد، إن هذه القطعة اشتريت بمثلها طعامًا بالأمس
 .لابد أنك قد وجدت كنزًا، فهذه قطعة نقود قديمة جدًا، وليست من نقود هذا الزمان
 .إنني لم أترك هذه المدينة إلا أمس
:فقال له الخباز
 .لا تسخر مني، ولن أتركك، سأسلمك للشرطي ليسلمك للملك
 :فقال الشاب
 .إن الملك سيقتلني، لأني تركت دينه، تركت عبادة الأصنام، وعبدت الله وحده لا شريك له
 :فقال الخباز
 .لا تحاول أن تخدعني . إننا لا نعبد الأصنام، وإن ملكنا لا يقتل الذي يعبدون الله
 .ثم نادى الشرطي، وأراه قطعة النقود، فنظر الشرطي إلى الشاب، وقال له : هيا معي إلى الملك، لأن هذه نقود أثرية، ولابد من تسليها للملك
 :وسار الشاب وهو مبهوت إلى قصر الملك، فلما دخل وجد ملكًا آخر لا يشبه الملك الذي هربوا منه، وكان الملك عادلًا، فقال
ما قصة هذا الفتى ؟
 !فقال الشرطي : لقد وجد كنزًا
 :فقال الشاب
 .أنا من أهل هذه المدينة، ولم أجد كنزًا فهذه نقودي
 :فقال الملك
 .اذكر أسماء من تعرفهم من هذه المدينة
 .فراح الشاب يذكر أسماء من يعرفهم، فلم يعرفوا منهم رجلًا واحدًا
 :فقال الشاب
 .خرجت بالأمس هاربًا من الملك دقيانوس
 :فقال الملك في عجب
 .الملك دقيانوس ؟ لقد مات أكثر من ثلاثمئة سنة
 :فقال الشاب
 .أكثر من ثلاثمئة سنة ! إنني تركته بالأمس فقط
 .فقال الملك : هذا غير معقول
 :فأخرج الشاب النقود التي معه، وقدمها إلى الملك، وقال
 .هذه النقود عليه رسمه، وقد اشتريت بها بالأمس طعامًا
 :فأخذ الملك النقود، وراح يقلبها بين يديه، ويقول
 !إن أمرك عجيب، هذا النقد من ثلاثمئة سنة
:فقال الشاب
وهل نمنا في الكهف ثلاثمئة سنة ؟!
فقال الملك : نمتم ! من الذين ناموا ؟
:فقال الشاب
.أنا وأصحابي الذين فروا من الملك دقيانوس
:فقال الملك
إنني لا أستطيع أن أصدق ما تقول ؟
:إذا كنت لا تصدقني، تعال واسأل أصحابي
:وركب الملك ورجاله، وركب الشاب معهم وساروا، فلما اقتربوا من الكهف، قال الشاب للملك ومن معه
يا قوم، إني أخاف أن أصحابي يحسون وقع أرجل الخيل، فيظنون أن دقيانوس جاء يطلبهم، فيموتون من الخوف، قفوا قليلا حتى أدخل إليهم وأخبرهم الخبر
:فوقف الملك ومن معه، وذهب الشاب إلى أصحابه، فلما رأوه قالوا له
.الحمد لله الذي أنقذك من دقيانوس
:فقال الشاب
دعونا من دقيانوس، كم مكثتم في الكهف ؟
.قالوا : لبثنا يومًا أو بعض يوم
:قال
.بل لبثتم ثلاثمئة سنة وتسع سنوات، وقد مرت عليكم تلك السنون وأنتم نيام، وقد مات دقيانوس وتغيرت الدنيا، وأصبحت غير الدنيا
.عند ذلك أحس الفتيان بالنوم فناموا، وانتظر الملك، وطال انتظاره، ثم ذهب يبحث عن الشاب، فوجده وأصاحبه قد ماتوا
:فقال الملك
.سبحان الله ! هذه معجزة عظيمة، وقد أرانا الله أنه قادر على أن يحيي هؤلاء الشبان بعد أكثر من ثلاثمئة سنة، وهو قادر على أن يحيي الناس جميعًا بعد أن يكونوا ترابًا
“قَالَ الذِين غَلَبُوا عَلى أَمْرِهم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهم مَسْجِدًا”